المنحى العبثي في قصة (ليلة هلع عند ناهد)
بيتر ماهر الصغيران
مصر
لمست في قصة عبد القهار الحجاري (ليلة هلع عند ناهد) مسحة من العبثية، وأرى أن بها شيئا من عبثية سارتر الذي يهتم كثيرا في نصوصه القصصية بفكرة الدائرة المغلقة، ونجد عنده مفتتح القصة هو نفسه مختتمها، وفي قصة (ليلة هلع عند ناهد) نفس التقنية، حيث تبدأ بجملة (لم أدر ماذا حدث بعد ذلك...) وتنتهي بها، لنعود إلى نفس نقطة الانطلاق، وهذا امتداد لفكرة أن ما تبدأ به الحياة يمكن أن يكون هو نقطة النهاية، ويبدو من المدخل كأننا نبدأ القصة من النهاية، فيتصاعد تيار السرد انطلاقا من نقطة زمانية ومكانية، حيث يتدرج الكاتب في تقديم تفاصيل المكان: القطار ثم الشارع ثم المطعم الغريب المريب، يتدرج من المكان الواسع إلى المكان الضيق، نقطة الانطلاق الزمانية، يمثلها الليل بكل حمولاته الدلالية في القصة من سكون وخوف وريبة، ثم يدخل القارئ مع البطل في حالة من الحيرة والانخراط في فك اللغز الذي يلفه الغموض وبأن ثمة أمر غريب سيحدث، وبتظافر نقطتي الانطلاق الزمانية والمكانية يجد القارئ نفسه متورطا في المكان المريب، يعيش الهلع والحيرة والقلق ويبحث مع السارد عن المخفي ويحاول أن يفهم الظاهر ومآلات الحدث.
نقارب تطور الحدث من خلال مفتاحين:
* الأول مفتاح الاغتراب الذي عاش فيه البطل داخل المكان، وحالة القلق والهلع، وتخفي شخوص القصة والانتقالات التي حدثت، خاصة تخفي شخوص القصة باستثناء القط الأبيض ذي العينين الحمراوين ورأس الوعل المعلقة على الجدار. الغموض في المحل يمكن فهمه على أنه حالة بحث عن هوية معينة داخل التيه الذي عصف ببطل القصة في عوالم غريبة وأشياء مثيرة تشي بالفوضى والعبثية كدخان السجائر والضجيج والأصوات المختلفة والقهقهات، والصور الباهتة كأننا أمام مسرحية عبثية.
* الثاني مفتاح (ناهد) التي تمثل مجموعة من الفرص الضائعة في الحياة، أو هي الحياة نفسها، مع انقسام السرد عنها إلى قسمين: قسم لسرد تفاصيل جمالها، وقسم لتصوير حالة الجبرية التي تصدر عن شخصيتها القوية وجبروت هيبتها، خاصة عندما قدمت له الحساء، وخاطبته بلهجة آمرة أن يأكل.
في الجملة الختامية يبدو المكان مثل القبر الذي يختتم به الجسد رحلته في الحياة، ليحتويه الظلام عندما انتاب الإغماء البطل، ليعود إلى بداية السرد بجملة (لم أدر ماذا حدث بعد ذلك)، أضف إلى ذلك هيمنة مفردات على القصة ككل مثل الظلام، الصمت، الدخان، حالة الاضطراب التي عاشها البطل من البداية إلى النهاية، وأجواء سوداوية، تذكرنا بالكافكاوية، والقصة ككل عبارة عن دائرة كالحة مغلقة تشبه مسرحيات عبثية كالتي كتبها سارتر.
وجود القط مع البطل إشارة متعددة الرؤى، هل يمثل ضميره أم مشاعره، هل يمثل القط عزيمة البطل على الاستمرار في العيش والتشبث بالحياة رغم كل تلك الأجواء المضطربة؟
أسئلة كثيرة تطرح في ذهن القارئ عن مختلف الإشارات المبثوثة في القصة من بدايتها إلى نهايتها التي تحولت إلى ما يشبه القبر بكل دلالاته ورمزيته.